زحلة ودّعت ايلي غطاس بمأتم شعبي

الحنان ـ
ذرفت زحلة دموع الحزن في وداع رجل الأعمال ايلي غطاس، احد المساهمين الأساسيين في نهضتها السياحية والإقتصادية، وغصّت كاتدرائية سيدة النجاة بالأهل والرسميين والمحبين الذين شاركوا في المأتم المهيب الذي ترأسه راعي ابرشية الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران عصام يوحنا درويش بمشاركة المعتمد البطريركي الأنطاكي للروم الأرثوذكس المتروبوليت نيفن صيقلي، الذي حضر من موسكو خصيصاً للمشاركة في وداع ” رفيق العمر”، وحشد كبير من الكهنة، بحضور دولة نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفزلي، النائب سليم عون، السيدة منى الهراوي، الوزير السابق خليل الهراوي، رئيس بلدية زحلة المعلقة وتعنايل المهندس اسعد زغيب، وعدد من الشخصيات.
والقى المطران درويش كلمة رثا فيها الفقيد الكبير فقال:
” اليوم يغادرُنا ايلي غطاس، ليستقر في بيت الله، تركَنا وتركَ وراءه وزناتٍ كثيرة أثمرت محبةً ونجاحا وهو يقفُ الآن أمامَ ربه وقد جرّدَه من حلته الترابية وألبسَه البهاءَ الإلهي ووشَّحه بنعمه.
اليوم، وبعد معاناة طويلة مع المرض، يرقدُ بالرب أبو جورج، الرجلُ المغامر، المتطلعُ الى ما وراءِ الوقتِ والفكر، رجلُ الخصالِ الحميدة ورجلُ الإرادة الطيبة ، وصاحبُ القلب الكبير والوجهِ السمح، ويقفُ أمام عرش النعمة، بضحكته الثاقبة وابتسامته الفريدةِ والمعروفة. راحَ اليومَ يلهثُ مُتلهفا لوحدةٍ مع الله طالَ انتظارُها، وهو الآن يرى ما لا نراهُ نحن ويعاينُ ما تشتهيه قلوبنا.
اليومَ يجتازُ أبو جورج عتبةَ السماء وراحَ يلمسُ ما كان يَعدُّهُ إيمانا، وهو لم يعد بحاجة الى الإيمان بعد، لأنه صار بانتقاله قادرا على تذوق حلاوةِ يسوع ويُشغفُ بنظرات يسوع ويغتني بحضوره.”
واضاف ” في بداية مرضه ردد لي أكثر من مرة أنه لم يعدْ يخافُ الموتَ كما قال حرفيا “لإني ذاهب الى يسوع” والأهلُ يشهدون أنه طوالَ مرضه لم يتذمرْ ولم ييأسْ ولم يتململْ وفي زياراتي له كان دوما مبتسما.
والذين كانوا بارعين في الدخول الى قلبه، يعرفونَ أنه كان يَسُبكُ مشاعرَه ومحبتَهُ وحنانَهُ ويسكبُها على الآخرين، ومن لا يعرف في زحله حُسنَ معشر أبي جورج ودماثةَ أخلاقه. لقد ربحَ في هذه الحياة محبةَ الناس، أما الآن فصار يتمتعُ بمحبة الله وحنانِ الله.
ونحن بذلك لا نشعرُ بعجَبْ، فإيلي غطاس هو سليلُ عائلة عريقة وأبيّة، امتهنت الشأنَ العام وخدمةَ الناس، كما اشتهرت بالأعمال المالية والتجارية والفنية والسياحية وهي أولى من بنتْ دور السينما في المدينة.”
وتابع درويش ” يُعرفُ عن والده جورج أنه كان مقداما وشجاعا ومحبا للعمل وقريبا من الناس، وقد أورثَ ولدَه المرحوم ايلي هذه الصفات الحميدة، ولا سيما روحِ المبادرة والسعي الدؤوب للنجاح بتحقيق المشاريع. وقد ورثَ من عائلة غطاس وعائلة الهراوي الجرأةَ والصراحة وعزة النفس.
تلقى دروسه في مدارس زحلة، بِدءا من مدرسة مار أفرام وانتهاءً بالكلية الشرقية، وعند انتهاء دراستِه دخل مَيدانَ الأعمال يحدوه رغبةٌ جامحةٌ في التقدم والطموح، وكأني به تحالف مع النجاح منذ ريعانِ شبابه فكانت له رؤى عمرانية بعيدةَ المدى، فبادرَ الى إنشاء مشاريعَ سياحية رائدة، وهو بذلك أيقظَ زحلة من سُباتها وأخرجها من رتابتها، وصنع وحدَه ما لم تصنعه جماعة، وأنا مثلَ كثيرين غيري رافقناه بصلواتنا وأدعيتنا حتى اكتملَ صرحُ “ستارغيت” وهو يضمُ مجموعة من المطاعم ودورِ السينما الحديثة الرائدة في زحلة والبقاع وصار الزحليون يفتخرون بأن لهم دارا للتلاقي، أهمُ ما فيها الانفتاح على السهل وعلى مكونات المجتمع اللبناني كافة.
لقد ساعدتُه نشأته في عائلة مؤمنة بالله والكنيسة ليغرُفَ من هذا الإيمان وينشئَ مع زوجته السيدة فريدة الياس واكيم عائلةً مسيحية مؤمنة. وأولادُه الثلاثة مدعوون اليوم ليُكمِلوا ما كان والدُهم يحلمُ به ويخططُ له.”
وختم درويش ” نسأل الله أن يرافقَه الصليبُ الذي رسمَهُ، عندما شعر بقربِ رقاده، ثلاث مرات على صدره بتسليم تام لمشيئة الله، الى ملكوت الله حيث يتمتع هناكَ بحضور الله الأبدي.
باسم العائلة اشكرُ لكم مشاركتَكم جميعا وأشكر السادة الأساقفة والأخوة الكهنة ولا سيمل سيدِنا المطران نيفن الذي أبى إلا أن يكون معنا اليوم فأتى خصيصا من موسكو وبهذا أراد أن يُعربَ عن محبته للعائلة ولأهله في زحلة. وباسمكم جميعا نتقدم بتعزيتنا الحارة من زوجته السيدة فريدة وولديه جورج وميشال وابنتِه جويل وشقيقيه أنطوان وفؤاد وشقيقته نيلي وجميع أفراد عائلاتهم.
صلواتُنا ترافقكَ الى السماء فيسوع المسيح المخلص يردد لك اليوم: “إِنَّ في بَيْتِ أَبي مَنازِلَ كَثيرة؛ إِنِّي أَنطَلِقُ لأُعِدَّ لك مَكانًا”. المسيح قام ”
صيقلي
وكانت كلمة مؤثرة للمتروبوليت صيقلي رثا فيها ” رفيق الدراسة والعمر ” وقال:
” أودّع معكم رفيق الصفّ ورفيق العمر، ابن البيت الزحلي العريق الذي نشأ على محبة لبنان، على الإيمان بالله والتمسك بالفضيلة.
هكذا كان شأن والديه، فترعرع في بيت بهذه الفضائل والتقاليد المسيحية، حتى اقترن من ابنة بيت شعّ فيه نور قدّيس تزوّدنا منه في زحلة بزاد القداسة.
تعب ايلي، جاهد وعمل ليؤمن لنفسه ولعائلته العيش بكرامة، وكان يشكر الله الذي رزقه مع شريكة حياته اولاداً كان يفاخر بهم.
إنني وبمعرفتي العميقة عنه، عاش ايلي ثمار الروح على ما جاء في رسالة بولس الرسول الى غلاطية، عاش الإيمان، المحبة، الفرح والسلام. غلاطية ” 5-22 ”
كان الفرح هاجسه والفرح هو ميزة خاصة بالرجال القدّيسين. ان السيد المسيح الذي قداسته تفوق قداسة القديسين والصدّيقين، كان حاملاً للفرح بأقصى حدوده. لقد قال عنه داوود النبي ” انك احببت الحق وأبغضت الشرّ لذلك مسحك الله الهك بزيت الفرح” مزمور” 44 ”
أما السيد وفي انجيل يوحنا فقد هتف بتلاميذه قائلاً ” قلت هذه الأشياء ليكون بكم فرحي، فيكون فرحكم كاملاً “. يوحنا “11-15″
لم تكن الكآبة عاطفة سائدة عند السيد المسيح فالروح كان يدعو دائماً الى الفرح، وهذا ما جاء في قول بولس الرسول ” افرحوا دائماً، احمدوا الله على كل شيء”. تسالونيكيه ” 5-16-18″.
عشتك ايها الأخ الحبيب وكان النصر دوماً حليفك، وفي السنة الأخيرة الصعبة من حياتك وانت تعلم المصير، أصبحت تواقاً لمعرفة الحقيقة، فتأكدت من خلال تعمقك في الكتاب المقدس يومياً انه لكمال الحقيقة، للحقيقة الأبدية، للصلاح الذي لا يموت هناك فرح ثانٍ. كشفت بأن نقطة دم المسيح التي وقعت على ارض الجلجلة بمحال غير منظورة غيّرت كل شيء، فقد دخلت الى العالم قوة جديدة هي قوة القيامة. بزغ نور القيامة، فرح القيامة الذي يسمو على كل فرح.
ان هذه القوة هب فرح تجلّى كل حياتنا في حياة ابدية. هي حياة لا تُلغي حياة هذا الجيل، بل تحافظ على ما هو هنا، لأن الأبدية تبدأ هنا.
أغمضت عينيك ايها الأخ الحبيب والرجاء حليفك بنصر يجمعك اليوم مع اولئك الذين سبقوك على رجاء القيامة والحياة الأبدية.
معزياً العائلة الحزينة اقول ما قال القديس يوحنا الذهبي الفم:
اننا لسنا بحجارة، نعيش اليوم الكآبة معكم بفقد ايلي، ولكن مشاركة الناس جميعاً لكم هو تعزية لا مثيل لها لكل العائلة فرداً فرداً.
أقول لجورج وميشال وجويل انكم اذا ما اردتم أن تخلّدوا ذكر والدكم، عيشوا على خطاه ملتزمين بالفضيلة والصلاح، بالفرح والمحبة.المسيح قام.”